الاتكال على الرب

” فَتَقَدَّمَ رَجُلُ اللهِ وَكَلَّمَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ الأَرَامِيِّينَ قَالُوا: إِنَّ الرَّبَّ إِنَّمَا هُوَ إِلهُ جِبَال وَلَيْسَ هُوَ إِلهَ أَوْدِيَةٍ، أَدْفَعُ كُلَّ هذَا الْجُمْهُورِ الْعَظِيمِ لِيَدِكَ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ ” (١ملوك ٢٠: ٢٨).
من قديم الزمان والجبال تحتل أهمية بالغة في تاريخ الشعوب فهي تمثل حدوداً استراتيجية وجغرافية تفصل بين الدول…. وفي أزمنة قديمة كانت الجبال مرتبطة بالآلهة القديمة مثل بعل صفون (خروج ١٤: ٢).. وكما نعرف جميعنا أن الجبال تتسم بمميزات طبيعية مثل القوة والتحمل والارتفاع… وفي قراءتك للكتاب المقدس ستجد أن الجبال تحتل موقعاً هاماً في أحداث كثيرة، فكانت المكان المناسب للاختباء في الكهوف التي في الجبال والمغاير والحصون (قض ٦: ٢، ١ صموئيل ١٤: ٢٢)
والجبال تشهد عن قوة الله الذي يدك الجبال (حبقوق ٣: ٦)، ويذيبها مثل الشمع، بل من حضرته تتزلزل وتنشق الوديان كالشمع قدام النار. نعم الجبال ترجف منه ويزحزحها ويقلبها في غضبه بل من أصولها أيضاً تتزحزح (مزمور ٩٧: ٥، قضاة ٥: ٥، ميخا ١: ٤، ناحوم ١: ٥، أيوب ٩: ٤، ١٤: ١٨، ٢٨: ٩). ليس الرب إلهنا هو إله الجبال فقط صاحب سلطان عليها، ولكن الجبال أيضاً أحد الأدوات المستخدمة من الرب، لذا أدعوك أن تتابع معنا رحلة إلى جبال الكتاب المقدس. سنقف أولاً في سفر التكوين، ونرتحل إلى جبل أراراط:

تكوين (٨: ٤)
بعد أن تغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء وبعد مئة وخمسين يوماً نقصت المياه واستقر الفلك في الشهر السابع.. على جبل أراراط

جبل أَرَارَاطَ “جبل البدايات الجديدة”
معنى كلمة أرارط: اللعنة عُكست Reversed the curse، أول جبل يحدثنا بصوت عالي أن الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا ،… إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ (٢كورنثوس ٥: ١٧)، هناك فرصة لك أن تنسى ما وراء وتتجاوب مع الرب الذي يريد أن يبدأ معك بداية جديدة.
جبل أَرَارَاطَ يقول لك مهما كانت سنين عمرك، تقدر أن تبدأ من جديد، فقد كان نوح ابن ست مئة سنة (تكوين ٧: ٦) وخرج من الفلك هو وعائلته وبدأ مرحلة جديدة، بنى مذبحاً للرب وأصعد محرقات “فَتَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا” (تكوين ٨: ٢١). وهنا يقطع الرب عهداً مع نوح، ويقول “وَلاَ يَكُونُ أَيْضًا طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ الأَرْضَ” (تكوين ٩: ١١)، ولا تعبُر سريعاً على هذا الجبل لأنه يكلمك أنت، ويؤكد لك أن الأفكار التي يفتكر بها الرب عنك أفكار سلام لا شر، ليعطيكم غنى ورجاء (إرميا٢٩: ١١)، جبل يؤكد لك أن إحسان الرب وعهد سلامه لا يتزعزع (إشعياء ٥٤: ١٠).

أَرَارَاطَ جبل يُشجعنا أن المستقبل والحاضر لن يكون امتداداً للماضي، لأن الرب “صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا” (إشعياء ٤٣: ١٩)، جبل أَرَارَاطَ يقول لك لا تتأمل في الأمور القديمة التي عبرت ولا تتغذى على ذكريات الماضي. إله البدايات الجديدة الذي أعطى للفلك أن يستقر هو إلهك يعطي لحياتك أن تستقر ويفتح معك صفحة جديدة، ويضمن هو وحده أن تتبارك وتثمر.

هلمّ إذًا نتحرك من جبل أَرَارَاطَ إلى مساحات جديدة في حياتنا.

ونسير معاً إلى الجيل الثاني جبل المُرّيا
جبل المُرّيا “جبل العناية الإلهية”
جبل المُرّيا: معناه المختار للرب chosen by Jehovah
شهد هذا الجبل حادثة عظيمة تكشف عن قدرة الرب وأمانته ومحبته التي لا توصف بكلمات
فهناك صعد ابراهيم مع ابنه وحيده الذي يحبه، صعد ليُـقدمه ذبيحة للرب الذي أمره أن يفعـل هذا بحسب ما جاء في تكوين 22
كيف استطعت يا ابراهيم أن تنتصرعلى مشاعرك كأب انتظر ابن الموعد عشرات السنوات؟ كيف تغلبت على مخاوفك؟ …. ويُجيبنا الروح االقدس في عبرانيين 11 :19 ويقول ” إِذْ حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ”
وضع ثقته واتكاله بالكامل علي الله القادر … اتكل عليه فانتصر

من منا لا يحتاج للإحساس بالأمان، ومن منا لم يستمع لهذه النصيحة يومـًا ما “اتكل على الرب” وأحيانـًا نجد أنفسنا ننصح الآخرين بها “اتكل على الرب” وفي المواقف المفاجئة وفي الأزمات، كثيراً ما نُـردِد هذه الكلمات: “اتكل على الرب”. هل فكرت مع نفسك ما تعنيه هذه الكلمة؟؟
الاتكال على الرب هو أن تضع كل ثقلك عليه، هي الاستناد على أمانة الله، الثقة في عهده الأبدي، أن تضع آمالك واشتياقاتك واحتياجاتك وتحدياتك تضعها في شخص القدير.
قد يتبادر إلى ذهنك سؤال، وهل هناك أي مجال آخر يمكنني أن أضع رجائي فيه سوى الله؟؟
نعم كثيراً ما يخدع الناس أنفسهم قائلين نحن متكلين على الرب وفي الحقيقة لا. لأن هناك من يتكل على ذكائه الشخصي، وحكمته (أمثال ٣: ٥) ومن يتكل على البشر (مزمور ١١٨: ٨)، أو من يتكل على الرؤساء (أصحاب المناصب العالية)، (مزمور١١٨: ٩)، والكثير من الناس يضع رجاءه في ثروته أو إمكانياته (مزمور ٤٩: ٦، و٤٤: ٦). أو كلام الكذب (إرميا ٧: ٤)، ولكن انتبه ولا تأخذ الأمور باستخفاف لأن الرب وضع لنا قوانين نحتاج أن نأخذها بجدية.. فهناك كلمات تحذيرية نطق بها الروح القدس على فم إرميا قائلاً: ” مَلْعُونٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الإِنْسَانِ، وَيَجْعَلُ الْبَشَرَ ذِرَاعَهُ، وَعَنِ الرَّبِّ يَحِيدُ قَلْبُهُ ” (إرميا ١٧: ٥).
وماذا أيضاً؟
“مُبَارَكٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ، وَكَانَ الرَّبُّ مُتَّكَلَهُ” (إرميا ٧:١٧)
لماذا؟؟
“فَإِنَّهُ يَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عَلَى مِيَاهٍ، وَعَلَى نَهْرٍ تَمُدُّ أُصُولَهَا، وَلاَ تَرَى إِذَا جَاءَ الْحَرُّ، وَيَكُونُ وَرَقُهَا أَخْضَرَ، وَفِي سَنَةِ الْقَحْطِ لاَ تَخَافُ، وَلاَ تَكُفُّ عَنِ الإِثْمَارِ” (إرميا ٨:١٧)
لاحظ أن كل هذه البركات مفتاحها هو الاستناد (الاتكال) على الرب – وليس الإثمار فقط، ولكن هنا داود يترنم قائلاً: ” مَا أَعْظَمَ جُودَكَ الَّذِي ذَخَرْتَهُ لِخَائِفِيكَ، وَفَعَلْتَهُ لِلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ تُجَاهَ بَنِي الْبَشَرِ! ، وَيَفْرَحُ جَمِيعُ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ ، أَمَّا الْمُتَوَكِّلُ عَلَى الرَّبِّ فَالرَّحْمَةُ تُحِيطُ بِهِ ، وَبِنِعْمَةِ الْعَلِيِّ لاَ يَتَزَعْزَعُ، طُوبَى لِلإِنْسَانِ الْمُتَّكِلِ عَلَيْكَ (مزمور ٣١: ١٩، ٥: ١١، ٣٢: ١٠، ٢١: ٧، ٨٤: ١٢).
لهذا لا تتكل على ذاتك ولا قلبك، وتذكر أن بطرس حين اتكل على قوة إرادته سقط منكراً للرب (مرقس ١٤: ٢٩، ٧٢)، أما دانيال فلم يوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه (دانيال ٦: ٢٣)
وبولس يشهد قائلاً ” الْجَمِيعُ تَرَكُونِي. لاَ يُحْسَبْ عَلَيْهِمْ، وَلكِنَّ الرَّبَّ وَقَفَ مَعِي وَقَوَّانِي..” (٢ تيموثاوس ٤: ١٦، ١٧).
تشجع اليوم، ثق أنه يحفظك في سلام إذا اتكلت عليه (إشعياء ٢٦: ٣)، وإذا سمحت عناية الرب أن تجتاز في أوقات صعبة، أو هاجمتك المخاوف فقل له: ” فِي يَوْمِ خَوْفِي، أَنَا عَلَيْكَ أَتَّكِلُ ” (مزمور ٥٦: ٣)، وستجد نعمة “فِي يَاهَ الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ” (إشعياء ٢٦: ٤)، ستثبت في وجه الريح والأمطار والسيول لأن اَلْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى الرَّبِّ مِثْلُ جَبَلِ صِهْيَوْنَ، الَّذِي لاَ يَتَزَعْزَعُ، بَلْ يَسْكُنُ إِلَى الدَّهْرِ (مزمور ١٢٥: ١).

Start typing and press Enter to search