شهود من الداخل

ذكرت الرسالة إلى العبرانيين أن لنا سحابة من الشهود محيطة بنا (عب1:12) ويُقصَد بها أبطال الإيمان الذين أتى ذكرهم في عبرانيين 11. والكاتب أعطانا صورة جميلة (كانت منتشرة في ذلك الوقت) من خلال إستاد رياضي تُقام فيه سباقات للجري.

المؤمنون هم أولئك المتسابقون ، أما المشاهدون (الشهود) هم كل من سبقونا وكانت لهم انجازات الإيمان ، وفي وسط هذه الاجواء من تشجيع المشاهدين نجد أنفسنا ممتلئين بالحماس (الإيمان) لنكمل السباق (الجهاد).

فهؤلاء الشهود يؤكدون لكل واحد منا نصرة الإيمان وينتظرون منا أن ننضم لهم بإنجازات جديدة للإيمان. لكن هل تعلم أنه يوجد داخل كل منا نوع آخر من الشهود يُحفّزنا وينتظر منا أن نكمل مسيرة الإيمان مع الرب ؟

سوف أوضِّح ذلك من خلال بعض الشواهد:

أولاً من قصة حياة داود الملك: عندما كان داود هارباً من وجه شاول الملك ، دون أي سند لا من صموئيل النبي ولا من يوناثان صديقه أو أي إنسان ، أتى إلى أخيمالك الكاهن (1صم 21) طالباً منه المساعدة وهو في ذات الوقت يخفي أنه هارب من شاول الملك ، فأعطاه أخيمالك سيف جليات. انظر تعليق داود على ذلك : “فقال داود لا يوجد مثله أعطني إياه”.

نعم لا يوجد مثله في الضخامة والحجم لأن جليات كان محارباً له بنية جسدية ضخمة ، ولكن بالنسبة لداود السيف له دلالة أخرى لأنه من خلاله يتذكر تلك المعركة التي أعطاه فيها الإيمان الانتصار على جليات عندما قال “الرب الذي أنقذني من يد الأسد ومن يد الدب هو ينقذني من يد هذا الفلسطيني” (1صم 37:17) ورغم فارق القوة الجسدية والخبرة الحربية انتصر الاتكال على الرب وكان السيف هو الغنيمة. فيذكر الكتاب أن داود رجع ومعه السيف إلى خيمته (1صم 54:17).

وهكذا عندما يرى داود هذا السيف مُجدداً فإنه حتماً يتذكر هذه المعركة ، فتصبح رؤية السيف شهادة داخلية عن الإيمان الذي اختبره في الماضي تشجعه وتؤكد له أن الرب الذي أيّده من قبل مازال مستعداً أن يؤيده من جديد.

ثانيا من قصة حياة بولس الرسول : عندما ذكر بولس الضيقة التي تعرض لها (2كو8:1-10) وكيف أنه قد وصل إلى مرحلة اليأس من الحياة من شدة الضيقة ولكن نعمة الرب تدخلت وأنقذته رغم يأسه مُعلِّمة إياه أن يظل دائما متكلاً على الرب لا على نفسه أو قوته ، وأصبح هذا الاختبار محفوراً في أعماق بولس كشاهد داخلي أن الرب ينجي دائماً مهما كانت حالتنا أو ظروفنا، فبكل تأكيد عندما كان يتعرض لضيقة يشعر أنها أكبر من احتماله فأن الروح القدس كان يُذكّره بتلك المرة التي يأس فيها من الحياة وكيف نجاه الرب ، فيعود بولس يرجو الإنقاذ مرة أخرى ويتكل على الرب وأمانته لا على نفسه.

هل فهمت القصد من الشهود الذين من الداخل ؟ إنهم يعبّرون عن اختبارات الإيمان والعناية والإحسان الإلهي التي مررنا بها، فهي مصدر كامن للإيمان والتشجيع لكل منا أن نواصل ما بدأناه مع الرب.

يذكر مزمور 103 عدد 2 ذلك “باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته ” لأن حسنات الرب هي تلك المعاملات التي تؤكد لك أنه معك مرة أخرى ليكرر حسناته لك ، والروح القدس يُذكّرنا بها في الأوقات الخاصة حتى تكون مُلهِمة لكل منا.

إن لكل واحد منا شهوداً من الخارج ومن الداخل وجميعهم يدفعنا نحو الإيمان الذي يُمكِّننا أن نسابق ونفوز في كل تحدياتنا.

Start typing and press Enter to search