صفارة الحرب

صوتاً يدوي بقوة بين الجبال العالية والصخور الوعرة، فيتردد صداه بين جوانب الخيام المتناثرة في صحراء سيناء، صوتاً يُسمع من الصغير والكبير والشيخ والشاب، رجلاً أم امرأة … إنه صوت القائد، رجل الله “موسى” عبد الرب … هذا الرجل الذي قيل عنه ” وَأَمَّا الرَّجُلُ مُوسَى فَكَانَ حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ” (عدد ٣:١٢) ، الذي تكلم معه الرب فماً لفم.. نسمعه غاضباً وينادي بكل جرأة وشجاعة قائد حربي، يعطي إشارة البدء في التحرك للمعركة … ما هو نداءك يا رجل الله؟ وما الذي أغضبك هكذا؟ أغضبته الخطية وسقطة شعبه وتراجعهم السريع عن تبعية الرب، الإله الحقيقي فصرخ ” مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ ” (خروج ٣٢: ٢٦).
ويسمع الشعب هذا النداء، فيُـسرع بني لاوي دونـًا عن باقي الأسباط بلا تردد، يسرعوا الخطى تجاه موسى، ولسان حالهم يقول: “نعم نحن للرب” بنفس راغبة، وبكل القلب نختار أن ننفصل عن الشر، نخرج من وسطهم، لن نشترك في أعمال الظلمة، نتبع الرب، نطيع وصاياه، نحيا له … ويا لها من مغامرة … مغامرة الإيمان في اتخاذ قرار مُكلف … قرار يُصدِّق الرب ولا يحتسب لشيء، قرار يحسب كل الأشياء نفاية من أجل فضل معرفة المسيح ربـًا … قرار يحسب كل ربح خسارة، بل وبلا قيمة أمام الحياة التي تكرست للرب … (في ٣) وتأتي الخطوة التالية في تكليف موسى لهذا السبط “لاوي” كل واحد فيهم “أن يملأ يده للرب” فيعطيهم بركة (خروج ٣٢: ٢٧ – ٣٠)

وهنا نقف قليلاً لنتعلم ونتأمل معاً بعض النقاط:
١. كيف وقف موسى شامخاً كالجبال التي حوله، ثابتاً كالصخور المحيطة به، فلم يعد خائفـًا من شعبٍ بأكمله، كيف؟ وماضيه يقول إنه هرب إلى الصحراء أربعين سنة، لمجرد سماعه كلمة من أحد أخوته، حين قتل المصري ” مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ ” (خروج ٢: ١٤). تغير موسى ولم يعد خائفاً، لا من غضب شعب بأكمله ولا من غضب ملك (عبرانيين ١١: ٢٧) نعم تشدد بالرب وفي شدة قوته (أفسس ٦: ١٠)، غار غيرة إله الجنود (١ملوك ١٩: ١٠) … وصار أمينـًا في كل بيته (عبرانيين ٣: ٢) … وإذا اقتربت من عبد الرب موسى وسألته: متى وكيف تغيرت؟ ما هي المدرسة التي التحقت بها لتخرج بهذه الصورة؟؟

سيُجيـبـك إنها البرية … التواجد في عرش النعمة، الجلوس عند قدميه لأسمع صوته (لوقا ١٠: ٣٩)، النظر إلى “رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ” (عبرانيين ١٢: ٢).. ويؤكد لك هذه الحقيقة الرسول بولس وهو يكتب لكنيسة كورنثوس فيطمئنك قائلاً: ” وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ” (٢كورنثوس ٣: ١٨)

ولهذا، تعال ننتهز كل فرصة لنجلس عند قدمي الرب، نُسمِعه أصواتنا ويُسمِعنا صوته، فنتغير لكي نكون مشابهين صورة ابنه.
أخيراً أتجرأ وأسألك يا رجل الله “موسى” هل نداءك ” مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ ” لا يزال يتكلم إلينا اليوم؟ سيجيبنا نعم … وبكل تأكيد … الرب الإله الحي على أبد الآبدين كلمته حية وصوته ينادي “اعتزلوا … تقدسوا … هلم ورائي … اتبعني أنت … إنه يدعونا لتكريس القلب والحياة والوقت والجهد.

هل تُـقبـِل إليه .. وتقول مع موسى إني أحسب “عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ ” (عبرانيين ١١: ٢٦).

أتُـريد أن تتبعه أينما يمضي.
أتريد أن تتبعه حاملاً الصليب كل يوم.

تجرأ وقل له: أنا لك ولغيرك لن أكون!!

Start typing and press Enter to search